باسم الكربلائي و الإختيارات المثيرة للجدل .!



لا يختلف إثنان على أن الظاهرة #باسم_الكربلائي هو لسان الشيعة الناطق و وجههم الإعلامي .
ولا يختلف إثنان على ان الجيل الحالي من الشعراء مليء بالمبدعين الأدباء ،
لكن الإثنان ربما يختلفان إذا ما سأئنا عن عدد القصائد التي تُحفظ و تتادول بين الناس مقارنةً بالماضي (قبل عشرة سنوات فقط) ..!!
كل ما سوف يأتي بالمنشور هو طموحاً منا للتقدم و الرقي مع الإعتذار إذا فهم على أنه إساءة و إنتقاص .

مجلة الرواديد و الشعراء

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوجه الإعلامي التعيس للأدب الشيعي!
من (حرم عندي وحق جدي) ... إلى (خيطن خيمچن عبي)!
لا خلاف بين العقلاء وأهل الذوق جميعا أن شعر المنبر الحسيني اليوم يتجه إلى الأسوء بسرعة انحدار خارقة لجميع الموازين؛ ذلك ليس لشح في الشعراء فهم موجودون بيننا، مازالوا أسياد الأدب ومازال الشعر رافضيا! ولكن الأمور بيد من لا يحسن الاختيار، والفضائيات بيد الصبيان... فنرى الخواء ونلحظ السقوط الفج... ولك أن تقارن الملا باسم الكربلائي في محرم 1437هـ ، ومحرم 1420هـ، لتلحظ نكسة مهولة لا مبرر لها، وهذه عشرة محرم قد تصرمت فهاتِ أختا لقصيدة (العلم عالقاع) أو (حضر بالطف رسول الله) أو (سور البنيته طايح لقيته)...
وقبل التفصيل في هذا الموضوع أود أن أتحدث قليلا عن التراث، ففي مكتبتي الصغيرة أكثر من 100 ديوان شعري كلها من التراث إلا أجزاء متفرقة من مجموعات الشاعر جابر الكاظمي، والشاعر صباح أمين، والشاعر مهدي جناح الكاظمي، وما عدا ذلك فهي عشرات الأسماء من شعر التراث الفصيح والدارج بلونيه العراقي والخليجي وغيرهما... لا أقبل أن أضع أي كتاب في هذه المكتبة... وأدعي أني مطلع على كل هذه الدواوين وأعرف سِير أصحابها وأشهر أشعارهم، وأميز العالم من العامي منهم، والمتدين من غير المتدين...
بحسب تتبعي تُعد قصائد المرحوم الشيخ محمد بن نصار (المتوفى قبل 140 سنة تقريبا) أقدم نصوص الشعر الدارج في العراق، والمرحوم الملا علي بن فايز (المتوفى قبل 120 سنة تقريبا) تعد قصائده أقدم النصوص في الخليج ومعه في نفس حقبته الملا أحمد العالي (المتوفى قبل 110 سنوات تقريبا)، واختلطت بعض أشعارهما في الدواوين لضعف التدوين حينها. وليس بين يدي شيء عن الشعر الدارج قبل ذلك، كما يبدو أن الشعر الدارج إن كان مكتوبا قبل هذا العصر فهو بلهجات أخرى لم تعد مستخدمة، وقد قرأتُ في مشارق أنوار اليقين أشعارا للحافظ رجب البرسي رضوان الله عليه بلغة غير مفهومة علّق عليها محقق الكتاب أنها قد تكون شعرا باللهجة الدارجة في عصر الحافظ البرسي (المتوفى قبل 620 سنة تقريبا)، ولسنا نبحث في نشأة الشعر الدارج فليس هذا أصل الموضوع، إنما نبحث بما كتب باللهجة المعاصرة وتطوراتها، أما ما كان قبلها فليس في صلب البحث؛ لذلك لسنا نعتني بما كُتب قبل شعر ابن نصار باللهجة الدارجة.
يتميز شعر العراق بقصائد الشجاعة والحماسة، وكذلك قصائد ثكل الأمهات، أما الخيال في شعر العراق فمستلهم من بيئة الريف وعادات العشائر بشكل ملحوظ، وأما شعر الخليج فيتميز بقصائد رثاء سائر الأئمة المعصومين من ذرية الحسين عليهم السلام، وهذا لا تجده في شعراء العراق إلا نادرا، وتجد شعراء الخليج يبدعون في نظم قصائد زفاف القاسم، وكذلك يتفوقون في ما يرتبط بمصائب المدينة المنورة ومصائب الزهراء على وجه الخصوص، أما شعر المحمرة وأطرافها فهو مرحلة وسطية بين الخليج والعراق.
ولو أردت التفصيل في شعر التراث لما وسع ذلك مقالا واحدا، بل لا بد من إفراد كتاب كامل يتناول هذا البحث... لكن وعلى سبيل المثال قد تقرأ سيرة المرحوم عبود غفلة فتجده أميًّا لا يحسن القراءة والكتابة، بسيط المظهر رث الثياب، يعمل في البناء ويستخرج المياه من الآبار ليخلطه بالجص... الخ فإذا تصفحت قصائده وجدتها تضج بالتضمينات القرآنية والقضايا التاريخية، والاطلاع الواسع على سيرة أهل البيت لاسيما السيرة الحسينية، وتجد في قصائده المعارف العلمية الصِّرفة، والتوجيهات الاجتماعية، وتجد لغة جزلة من قلب الريف العراقي ممزوجة ببعض المصطلحات العربية الفصيحة، وقد يستخدم تصريفات الأفعال العربية ويطبقها على اللهجة الدارجة... كل ذلك ينبئ عن مخزون ثقافي خارق، وإن كان صاحبه أميّا، ولعل بيئة النجف والحوزة التي حوله جعلت عامل البناء يحمل هذه المعارف... ولكن الغريب كيف تجد شاعرا في عصر التكنلوجيا، يستطيع بلمسة زر في الآيفون أن يستخرج المعارف التي يريد من الانترنت، ولكنه بخياله الغريب يتصور العقيلة زينب تلعب مع أبي الفضل العباس في طفولتها، ولا يعلم أن الفارق السني بينهما في حدود الـ20 عاما، ولا مبرر لمثل هذه العبارات وهذا المستوى من الخيال في هذا العصر!
يستطيع الشاعر المعاصر أن يكتب أكثر من قصيدة في اليوم الواحد، وقد يبلغ في السنة أكثر من 500 نص شعري، ولكن إن كان شاعرا متمكنا بالفعل فليكتب أبوذية واحدة كالتي كتبها الشاعر الفقيه الشيخ عبد العظيم الربيعي: (ردتك ما ردت دنيا ولا مال، يجاسم خابت ظنوني والامال..)، وقد تجاوز الخطيب هذه السنة في مجلسنا أبيات الشيخ علي البازي في شجاعة مسلم بن عقيل فعيب عليه بالرغم من أن المجلس قد بلغ ذروته في البكاء، ولكنه إن تجاوزها ليلة مسلم فلا مناص عن الإتيان بها ليلة علي الأكبر: (طبت الخيمتها الغريبة... واتوسلت لله ابحبيبه...الخ)، وهل يستطيع أي خطيب في العالم يقرأ مصيبة الحر الرياحي أن يتجاوز أبيات الشيخ مهدي الخضري: (العشيرة شالته بحر الظهيره، الكل منهم عليه شالته الغيرة، بس ظلوا الماعدهم عشيره..الخ)، وهل يمكن لأي خطيب في العالم أن يفتتح شهر محرم دون اللجوء لأبيات الشيخ عبد الأمير الفتلاوي: (أنا الوالده والقلب لهفان، وأدور عزا ابني وين ما چان)، وهل يكتمل الرثاء في مصيبة أم البنين دون تكرار أبيات الملا أحمد العالي: (يا ناس بالله دفرجوله، وخلوه ينزل عن ذلوله، باسايله واسمع لقوله...الخ)، فإن لم تُقرأ فهل يمكن تجاوز أبيات الشيخ محمد حسن دكسن: (صاحت صوت آ يا فقد الاطياب، والله اشموحشه يا دور الاحباب، هناك وسمعن الصرخه ورا الباب، أنا ام عباس اجيتچ لا تفترين)، فإن أساء الخطيب ولم يقرأ هذه النواعي للشيخ دكسن فهل يكرر إساءته ويترك أبياته في الأربعين: (فرد طيحه اعله قبر احسين طاحن..)، وللمستمع أن يجيل بطرفه في البلدان ليلة الحادي عشر من المحرم ويسعى في إحصاء كم ناعيا في الكون يكرر أبيات الملا عطيه الجمري: (زينب احتارت يوم شبوا بالخيم نار)، وإن عجز عن إحصاء ذلك، فليحاول أن يفتش في أِشعار زفاف القاسم، ليجدها محصورة بين أبيات المرحوم كاظم منظور الكربلائي: (يمه ذكريني من تمر زفة شباب)، وفي البحرين لا تقرأ إلا أبيات الملا سليمان السهلاوي: (مالي عين يا عمه أعرس والولي مذبوح) أو أبيات الملا حسن البلادي الملقب بديك العرش: (زينب يا رباب ، هيئا للخضاب، وهلما سريع لنزف الشباب)، فإن أرادوا استبدال ذلك فلا بديل سوى الملا عطيه الجمري أو من في طبقته...
هكذا يمر شهر محرم في كل عام، أشعار كُتب لها البقاء، جمعت بين الإمكانية الشعرية، والتوفيق من سيد الشهداء، وما لم أذكره أكثر من ذلك بكثير وقد سبرت الدواوين وفتشتها وحفظت كثيرا منها، فلم أجد فيها أي شاعر يستفز المستمع بتكرار مصطلحات الشرف وأمثالها في مصيبة العقيلة ليبكي الناس كما يفعل السيد عبد الخالق المحنة، بل يكتفي أولئك قدس الله أرواحهم بأن يحوموا حول المصيبة فتبكي مرغما دون تكلف!
إن ما يفعله المعاصرون ليس رثاءً وإبكاءً، إنما هي صلافة وسوء أدب مع سيد الشهداء وأهل بيته. كان الخطيب يتورع عن ذكر ألفاظ مصرع سيد الشهداء حتى يوم عاشوراء، فإذا اقترب من ذكر عبارات المصرع قد ينهض في وجهه أحد الحضور غاضبا يردعه عن ذلك، وهو في يوم عاشوراء، أما اليوم فأشعار الشاعر علي الكراني في البحرين تقرأ في كل مجلس أسبوعي وفي كل قصيدة يكرر مصرع سيد الشهداء وموقف الشمر، حتى وإن كانت القصيدة في رثاء الإمام الرضا!
بالله عليكم... آلاف المراثي كتبها المعاصرون فهل ثمة مرثية ثانية لرائعة السباك: (اجت ليلى العلي الأكبر يولي واوچبت عنده)، أم هل من بديل عن أبيات ابن نصار: (جابه ومدده ما بين اخوته)، وهل أنجبت النساء من يأتي بمثل ما قاله ابن فايز: (نوحي على الأولاد يا زهره الحزينه)...
إنها قدرات فائقة وتوفيقات إلهية تسدد أولئك، فما بالهم اليوم استدبلوا الذنابى بالقوادم والعجز بالكاهل؟ لماذا يقرأ الملا باسم هذا الشعر الركيك الرديء في القاسم بن الحسن: (ما تصد عينه عالنسا ما تغره حلاته، مو مثل غيره يفتخر من كثر سيئاته) هل ثمة قصيدة أَضعف من هذه كتبت في القاسم بن الحسن؟ لقد مات القائل: (آيبني شقول اعليك آيبني، دولبني زماني بيك دولبني)!
إنها مأساة وكارثة أن يبث في التلفاز هذا الكلام، إنها ليست قصيدة ضعيفة، بل هي (خرابيط)! على ماذا يلطم هذا الجمهور يا سيد عبد الخالق ويا ملا باسم؟ هل يلطمون ويجزعون على حقوق الجار وغض البصر وبر الوالدين؟! على هذه الأمور يُجزع ويُلطم ويُناح؟
إن اللطم ليس مجرد رياضة فلكلورية لا علاقة لها بالعزاء والجزع، نردد فيها أي موضوع أو فكرة تخطر في أذهاننا!
واترك أيها القارئ هذا الجانب من المأساة، وانظر في الأفكار التي يتناولونها، فمثلا قبل فترة استمعت لقصيدة للسيد المحنة في الأكبر ومستهلها: (ما بين الأكبر والنبي، ماي ورفض يشرب علي)، وفكرتها أن علي الأكبر لما قتل، وجاء جده النبي ليسقيه الماء لم يشرب وفاءً للحسين، وهذا عكس ما ورد في الروايات: هذا جدي سقاني بكأسه الأوفى... ويبدو أن الشاعر سمع هذه القضية تنقل عن أبي الفضل العباس، حيث يُذكر أنه عليه السلام من وفائه لم يشرب الماء حتى في البرزخ قبل الحسين عليه السلام، هكذا يتناقل الخطباء لا كما يذكر السيد عبد الخالق، فهو يكتب قصيدة في فكرة لا يعرف عنها شيئا... هكذا أخطاء لم يكن يقع فيها جابر الكاظمي مثلا! فإلى أين وصلنا وإلى أي حد بلغنا؟ وهل تعرض هذه القصائد على أهل علم وأهل ذوق قبل نشرها أم أنها تنشر بشكل عشوائي دون تدقيق ونبتلى نحن بهذا الضعف!
وبالرغم من أني قليل السماع لتسجيل القصائد الحالية فهي تسبب تلوث في الذوق إلا أني مطلع على الكثير من الأخطاء فعدد الزلات بعدد القصائد! ولا داعي للإطالة وتعدادها في هذا المقال، وإن اقتضى الأمر فمن الممكن جمع هذه الأخطاء الفاضحة في سلسلة مقالات، ولكن لا أرى ثمة مسوغ لذلك فالقليل ينبئ عن الخافي، فكما أن قصائد مهدي جناح الكاظمي (مثلا) تنبئ عن معرفة واطلاع وسعة أفق فإن قصائد غيره تنبئ عن فراغ وضيق...
كم هو سهل في هذا العصر أن تفتح كتاب منتهى الآمال وتقرأ قبل أن تكتب في رثاء الإمام الهادي كي تكتب في مصيبته ومظلوميته بدلا عن أن تحشو قصائدك بتحدي النواصب والتباهي بخدمة الحسين، لتكتب قصيدة في المصيبة تلطم عليها فذلك أولى من قصيدة في فضل اللطم وتلطم على فضل اللطم!
هذا بالنسبة للأفكار أما بالنسبة للغة والمفردات، فأشهر قصائد هذا الموسم يحمل مستهلها هذه الألفاظ ( قومن، خيطن، خيمچن، وراچن...) وفضلا عن المحتوى الخاوي فهذه المفردات لا تصلح للإعلام لأنها مفردات خاصة في بيئة معينة تتقبلها، والإعلام يخاطب أكثر من بيئة ولا بد للإعلام من لغة وسطية كلغة جابر الكاظمي... وليست بيني وبين جابر الكاظمي علاقة ولا ارتباط لي به ولا أدري إن كانت شاعريته اليوم كما هي في السابق؛ لكن المهم أن النصوص التي كنا نسمعها سابقا كانت بلغة تليق بالإعلام وتناسب مختلف طبقات الشيعة في مختلف بقاع العالم، كما هي أفكاره موزونه ولها ثقلها... ولم يأت إلى اليوم من يملأ الفراغ مكانه، ومن يدعي غير ذلك فهو واهم بلا شك!
وإن كان الأدب والشعر هو هذا الذي يروج له ويقرأه الرواديد اليوم فإني لا أقل عن الشعراء وأتقن الكتابة أكثر من هذه الأسماء المشهورة، ولكني لا أكتب الشعر إلا للتبرك ولا أنشره إلا في إطار ضيق محترما حجمي وقدراتي، فكلما قرأت ديوانا في التراث أدركت أن الماضين أتعبوا من بعدهم، ليس تعصبا للتراث، لكن البديل شحيح!
إنه عجيب إلى أبعد الحدود أن يعتمد الملا باسم وغيره من رواديد كبار على هؤلاء الشعراء الواضح ضعفهم ويترك الكبار، في وقت وظرف خاص أصبح الجمهور يتقبل من الملا باسم كل شيء، فيختار أضعف الأشعار حين ينبغي له أن يختار أرقاها وأجزلها فالمستمع يتقبل منه كل شيء وهي فرصة ليرقى بالذوق العام فكيف ينحدر به؟!
وإن كانت هذه أخطاء الملا باسم، فما عسى أن يكون غيره؟ لقد وصلتني قصيدة لرواديد مراهقين في شجاعة العباس: (عباس يالملاعب خصرها ويالشاد عالشقره..الخ) ويقصد بذلك المهرة التي يقاتل عليها العباس ويتعمد بذلك استخدام هذه المصطلحات لإثارة الشباب، ورادود آخر يردد ما يسمى قصيدة، لا تصلح لأناشيد الأطفال: (اذكر وانا كنت صغير بويه ينادي يبني، هذا اللطم اتركه اشلون وانا اشكثر احبه..الخ)، واملأ أذنيك بما شئت من لطميات غريبة في طريق المشاية، لا علاقة لها بالأدب والذوق والشعر!
فإذا كان الشاعر لا يملك إمكانية كتابة هذا الكم من القصائد، فلماذا يكلف نفسه أكثر من طاقته؟ لماذا لا يكتفي بما يستطيع فإذا طُلب منه المزيد اعتذر، وإن لم يجد الرادود نصًّا جديدًا يناسب المجلس فلا ضير أن يقرأ نصا قديما، أما الإصرار على الجديد وإن كان ضعيفا فهي جريمة بحق المنبر... ويبقى الفرق شاسعا بين أن تنشغل في مظهرك لتبدو أجمل على التلفاز، وبين أن تنهمك في القراءة تنادي: التسجيل عوفه!

حسن يوسف
#محرم1437

مجلة الرواديد و الشعراء

هل أعجبك الموضوع ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كافة الحقوق محفوظة 2014 © مجلة الرواديد و الشعراء