الشاعر الحسيني عبد الأمير بن علي الفتلاوي

-{ صورة و تعريف }-

(شاعر ظُلم فأبی التاريخ إلا ذكره)
هو الشيخ عبد الأمير بن علي بن موسى بن محسن بن علي بيج بن دليهم الفتلاوي، ولد في قرية أبي غرق شرق مدينة طويريج 1868م وتوفي سنة 1960م في مدينة المشخاب/ النجف الأشرف حيث عاش هناك ولقب بـ (أمير الشعراء) وقد استحق هذا اللقب؛ لبلاغة شعره وتمكنه وروعته، فحينما تقرأ شعره تشعر وكأنك تدخل في عالم آخر، يتميز شعره بتصوير أدق التفاصيل لملحمة الطف الخالدة، وتجذبك إليه روعة البيان ودقة الوصف، واستخدام أسلوب التأكيد الذي لا يستخدمه سوى الفطاحل من الشعراء حمل على كاهله القضية الحسينية فعاش لها وبها, ولم يترك شاردة ولا واردة إلاّ وذكرها بتفاصيلها، وركز على أبعاد ثورة الإمام الحسين ومعطياتها. وقبل ذلك كله تطرق إلى وصف شخصية الرسول الأكرم ، وأفاض في مدح أمير المؤمنين علي وقصيدته (علي عالي على كل عالي) تشهد له بأنه سبر أغوار هذه الشخصية الإلهية العملاقة بوسائل العشق العرفاني، ولعلنا لا نتخطى الحقيقة إذا قلنا بأنها من القصائد الخالدة.ولديه قصيدة (لولاك الإله يكول يا سيد الرسل لولاك) يصف فيها الرسول الأعظم ومبيناً خَلقَه وخُلقَه بأسلوب علمي فريد لا مثيل له، ولا نغالي إذا قلنا بأنها قصيدة يتيمة.

ظُلِمَ الشيخ إعلامياً فنادراً ما ترى قراء ورواديد المنبر الحسيني يذكرون اسمه مع أنهم يقرأون شعره، ولأجل بيان جزء من مظلوميته فقد كان لنا هذه الوقفة مع الشاعر لنتعرف عن كثب على علم من الأعلام الحسينيين. وكان لابد لنا أن نلتقي بابنه الأصغر الأستاذ فيصل وكان لحديثه عن والده طعم خاص حيث قال:
كان والدي من الشخصيات التي تركت أثراً في نفوس كل من رآه أو قابله، كان ذا هيبة على الرغم من تواضعه، وكانت روحه طيبة، وذا إدراك واسع يعطيك حل أي معضلة ويشرحها ويبين لك الرأي السديد فيها سواء كانت عقائدية أو علمية أو سياسية أو اجتماعية، كان يقري الضيف ويخدم ضيوفه بنفسه.

هل لك أن تذكر لنا مَن كان من الأدباء يجتمع في مجلس الشيخ؟

كان هناك الكثير من الأدباء مثل السيد (رضا الهندي)، والشيخ (هادي القصاب)، والشيخ (محمد باقر الأيرواني) الذي وصف والدي بالجبل الشامخ، كذلك السيد (البرجوردي) والسيد حسن الكشميري وكاظم المنظور وعبد الحسين ابو شبع والسيد جاسم الطويرجاوي وحمزة الزغير.وغيرهم من خطباء المنبر الحسيني.

ورد إلى علمنا بأن هناك قصيدة طويلة جداً لم تنشر في ديوان الشيخ هل لنا أن نعرف السبب؟

الحقيقة هناك قصائد كثيرة لم تنشر وليست هذه هي القصيدة الوحيدة ذلك؛ لأن الشيخ نظمها بعد إصداره ديوانه ثم توفي (رحمه الله)، ونحن بسبب ملاحقة النظام لنا لم يكن بوسعنا أن نجمع القصائد ونلحقها بالديوان، وأنا الآن بصدد جمعها وتنقيحها وهذا يحتاج إلى وقت وبالمناسبة فقد عرض عليّ السيد جاسم الطويرجاوي (دام توفيقه) أن يساعدني في جمعه وإبداء أي مساعدة تخص أشعار الوالد، وأود أن انتهز هذه الفرصة لأشكره لموقفه هذا، كما أود أن أوجه عتاباً إلى بعض الاخوة الشعراء والرواديد لعدم اعطاء الشاعر الفتلاوي حقه من ناحية ذكر اسمه على بعض قصائده التي تم قراءتها من قبلهم أو تحريف بعض كلمات قصائده.

كلمة أخيرة؟

أتمنى من الله أن يوفقني لجمع ديوان الشيخ وإظهاره بصورة جيدة وأشكركم على هذه الالتفاتة الجميلة.

ثم توجهنا إلى حفيد الشيخ ابن ابنته الشاعر (محمد شاكر حسن الموسوي) وعن الشيخ تحدث قائلاً:

كان ذا شخصية قوية ومؤثرة وكان مهاباً، كان يعطيني خصوصية في التعامل كوني من عائلة علوية، فقد كان يحترم العلويين، وبالنسبة لشعره فقد امتاز فقد امتاز بإشاراته الفقهية والعلمية والتاريخية، حيث سجل فيها الشيخ الأحداث الإسلامية، وبالمناسبة فأنا لدي قصيدة للشيخ لم تنشر من قبل تحتوي على أكثر من مئة وأربعين بيتاً، يؤرخ خروج الإمام الحسين عليه السلام من المدينة إلى وقوع المعركة ومسيرة السبايا وبعد ذلك رجوعهم إلى المدينة مع الإمام السجاد عليه السلام. تكمن أهمية هذه القصيدة في أنها تجمع بين الجانب العاطفي لمصيبة الإمام الحسين عليه السلام وعياله وتاريخ الثورة الحسينية بشكل علمي، وإبراز أهدافها بأسلوب يصل إلى المتلقي بسهولة.

هل تعتقد أنّ الشيخ مظلوم إعلامياً؟

لا يوجد شاعر ظُلم إعلامياً بقدر ما ظُلم الشيخ رحمه الله، ولا أعرف لماذا تجاهلته معظم وسائل الإعلام إلّا ما ندر.. كان ديوان الشيخ سلوة الذاكرين بجزأين، ويليه فاكهة القلوب والذي أشرف على طباعته الشيخ بنفسه في مطابع النجف في خمسينات القرن الماضي وقد تم بيعه بسعر التكلفة، وكانت وصيته لنا إذا أعدتم طباعة الديوان فعليكم بيعه بسعر التكلفة لأني لا أريد أرباحاً من خدمتي للإمام الحسين عليه السلام.

ولإلقاء مزيد من الضوء على شخصية هذا الشاعر وشعره كان لابد لنا أن نلتقي بشخصية من ذوي الاختصاص، فكان هذا اللقاء مع الخطيب العلامة الشيخ الدكتور (علي السماوي) الذي لم يبخل علينا بوقته واستقبلنا بكل رحابة صدر ونشكره كذلك على الإجابات الشافية التي أفادنا بها مشكوراً وكان حديثه عن الشيخ عبد الأمير مشوقاً:
علينا أن نعطي تركيزاً على جوانب وأدوار عديدة لهذه الشخصية العظيمة؛ لأنه ليس له دور الشاعر فقط، هذا الرجل له امتداد من الشيخة العشائرية ومن الشيخة العلمية بالمعنى الحوزوي، هو شاعر فحل، وأديب بارع، وخطيب مخلص، ولعل من الظلم أنه لم يُركز على الجوانب الأخلاقية له فقد كان زاهداً، عابداً، أخلاقياً، ولعلي أفاجئ الجمهور أنه كان عارفاً من أهل المعرفة في جنبة المعرفة، هو إنسان عرف معنى الإنسانية وبلغ معنى من العقائد لم يبلغه الكثير ممن نهل منهله وما وصل إليه، ويجسد بعض هذه الأفكار المعرفية والعقائدية في بعض كتاباته الشعرية من الشعر النبطي، وعلى الإنسان إذا أراد أن يعرف شخصية الشاعر الكبير والخطيب البارع عليه أن يعرف أولاً صياغة الجمل التي تحمل معنى التضاد بخلاف المعنى، أيضاً عليه أن يعرف معنى زهده، ثم عليه أن يعرف كم إيمانه، وبوصف العلماء فقد كان رجلاً مؤمناً كمل إيمانه، يقول الشاعر (زهير المخزومي): [قصدته زائراً واجتمعت به فأخذت منه الإيمان أكثر مما أخذت الشعر] وهذه شهادة شاعر كبير، وهناك شهادة عميد الشعر عبود غفلة بأنه وريثه الأعظم.

نشأ مع نخبة من أهل المعرفة منهم الحاج زاير صاحب قصيدة (جينا ننشد كربله)، وهذا الرجل له لقاءات كثيرة جسدت معاني حياته، أحبه ولزمه وتتلمذ على يديه فحول الشعراء، وكان هناك شخص له الأثر الأكبر في حياته وهو جواد الطالقاني الملقب بـ (المشلهب)، وعاش فكرته العقائدية مع شخصين الأول العارف والخطيب (ملا كامل)، وجزء كبير مع (الملا نور) المعروف بالأمور العرفانية، ثم كان له صديق ملازم من أهل الورع والدين وهو الحاج (حسون محسن الدفاعي). ولا يمكن اختزال حياة إنسان من خلال شعره؛ لأن الشعر جنبة من جنبات حياته، ولأنه عبارة عن إفراز ما هو في المجتمع وتفريغ ما هو في النفس.
فعلينا أن نأخذ الشعر النبطي ونعرف حيثيات التغيير التي وردت في شعره، ثم علينا أن نأخذ المفهوم العقائدي في زمنه كالانحرافات الفكرية والملاحدة وغيرهم من الشيوعية، هذا جانب مهم جداً لهذه الشخصية، ثم ننتقل إلى يوم وفاته في يوم الخميس في سبعة ذي القعدة 1380هـ في المشخاب التي هي في الحقيقة للآن مدينة أهل الفكر بالكم النوعي لا الكم العددي، دُفن في مدينة النجف بتشييع مهيب وأقيم له تأبين كبير، ولكن أقول للأسف حينما يموت الشخص نعرف قدره وفي حياته نظلمه.

له نماذج شعرية لطيفة جداً منها قصيدة (علي عالي)، والذي يجسد معنى كهذا لذات المولى أمير المؤمنين عليه السلام يفهم معنى عقائدياً كبيراً وكأنه يحكي قصيدة ابن العرندس ولكن بلغة شعبية. ولعله يجيد الحالة العاطفية والارتباط الوثيق بإمامه... والعبارة الشعبية تنم عن فطرة كبيرة لهذا الرجل فكأنه يتقمص حالة الأم الفاقدة للولد، وهذه مخالفة وخرق لقواعد الشعر الشعبي في أنّ الرجل يعيش حالة المرأة وحنانها يقول:
والوياي بلواهن مثل بلواي
أنوح عليك يبني ومن ينوح وياهن
وبلواهن مثل بلواي بلواهن
أنوح عليك مدري أنوحن وياهن
إنّ هذا الشعر بدأ ينقرض لأنه من الصعوبة أن تخلق اللفظ ويخلف معنىً جديداً بنفس الإرادة يقول:
ما هن ما سمعنه بهالمصايب هاي
ما هن هالمصايب ما جرن ماهن
هاي أمك يعبد الله انطفت عيني
ياضيها العله دربي يجديني
سهم الصابك الماذيك ماذيني
بنحرك ما نبت يبني نبت بحشاي

هذه المخالفات في المساجلات الشعرية تريد أن تنقل حالة ذبح الطفل إلى ذبح الأم حينما يضعها في مكان تعطي معنى آخر، ومن خلال قراءاتي البسيطة وفهمي لهذه الشخصية العظيمة وجدت أنه يعمل بطريقة المرادف اللفظي يعني مثلاً كلمة العين يجسدها إلى (27) معنى في قصيدة واحدة عين دامعة، وعين نابعة....إلخ ونلاحظ بوضوح استخدام الشيخ لأسلوب التأكيد والمراد منه شد الانتباه كما نستخدم في المنبر كلمة أُعيد العبارة.

الذي يقرأ إجاباتك على أسئلتنا يعتقد أن هناك علاقة خاصة تربطك بالشاعر؟

أنا أقول الثقافة أن تعرف عن كل شيء شيئاً وفي حدود.. إنّ الشعب العراقي له قابلية أن يتطور ليسبق ويسابق الشعوب ولكن للأسف الفترة المظلمة التي عاش فيها العراق حجبت القابلية والثقافة، وأنا من خلال قراءاتي البسيطة أحاول أن أحتوي جميع الذين مروا في ركب الإمام الحسين عليه السلام ولو بالقليل عن حياتهم الشخصية.

نضم صوتنا إلى صوت الشيخ الخطيب الدكتور السماوي علينا وعلى وسائل الإعلام أن تحتوي وتبحث عن جميع الذين مروا في ركب الحسين لنذكرهم من باب الوفاء وذكر كل من ذاب في حب الحسين .

لـمجلة الرواديد و الشعراء آمال كاظم الفتلاوي
مديرة تحرير مجلة رياض الزهراء النسوية
العراق - كربلاء المقسة / العتبة العباسية المقدسة

هل أعجبك الموضوع ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كافة الحقوق محفوظة 2014 © مجلة الرواديد و الشعراء